فصل: تفسير الآيات (42- 43):

مساءً 9 :7
/ﻪـ 
1446
جمادى الاخرة
29
الإثنين
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (نسخة منقحة)



.تفسير الآية رقم (41):

{قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آَيَةً قَالَ آَيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ (41)}
الآية العلامة، وقال الربيع والسدي وغيرهما: إن زكرياء قال: يا رب إن كان ذلك الكلام من قبلك والبشارة حق، فاجعل لي علامة أعرف صحة ذلك بها، فعوقب على هذا الشك في أمر الله، بأن منع الكلام ثلاثة أيام مع الناس، وقالت فرفة من المفسرين: لم يشك قط زكرياء وإنما سأل عن الجهة التي بها يكون الولد وتتم البشارة فلما قيل له {كذلك الله يفعل ما يشاء} [آل عمران: 40] سأل علامة على وقت الحمل ليعرف متى يحمل بيحيى.
واختلف المفسرون هل كان منعه الكلام لآفة نزلت به أم كان ذلك لغير آفة فقال جبير بن نفير، ربا لسانه في فيه حتى ملأه ثم أطلقه الله بعد ثلاث، وقال الربيع وغيره: عوقب لأن الملائكة شافهته بالبشارة فسأل بعد ذلك علامة فأخذ الله عليه لسانه، فجعل لا يقدر على الكلام، وقال قوم من المفسرين: لم تكن آفة، ولكنه منع محاورة الناس فلم يقدر عليها، وكان يقدر على ذكر الله قاله الطبري، وذكر نحوه عن محمد بن كعب، ثم استثنى الرمز، وهو استثناء منقطع، وذهب الفقهاء في الإشارة ونحوها، إلى أنها في حكم الكلام في الإيمان ونحوها، فعلى هذا يجيء الاستثناء متصلاً، والكلام المراد بالآية إنما هو النطق باللسان لا الإعلام بما في النفس، فحقيقة هذا الاستثناء، أنه متقطع، وقرأ جمهور الناس {رَمْزاً} بفتح الراء وسكون الميم، وقرأ علقمة بن قيس: {رُمزاً} بضمها، وقرأ الأعمش {رَمْزاً} بفتحها، والرمز في اللغة حركة تعلم بما في نفس الرامز بأي شيء كانت الحركة من عين أو حاجب أو شفة أو يد أو عود أو غير ذلك، وقد قيل للكلام المحرف عن ظاهره رموز، لأنها علامات بغير اللفظ الموضوع للمعنى المقصود الإعلام به، وقد يقال للتصويت الدال على معنى رمز، ومنه قول جوية بن عائد: [الوافر]
وَكَانَ تَكَلُّمُ الأبْطَالِ رَمْزاً ** وَغَمْغَمَةً لَهُمْ مِثْلَ الْهَدِيرِ

وأما المفسرون فخصص كل واحد منهم نوعاً من الرمز في تفسيره هذه الآية، فقال مجاهد: {إلا رمزاً} معناه إلا تحريكاً بالشفتين، وقال الضحاك: معناه إلا إشارة باليد والرأس، وبه قال السدي وعبد الله ابن كثير، وقال الحسن: أمسك لسانه فجعل يشير بيده إلى قومه، وقال قتادة: {إلا رمزاً}، معناه إلا إيماء، وقرأ جمهور الناس: {ألا تكلم الناس} بنصب الفعل بأن، وقرأ ابن أبي عبلة، {ألا تكلمُ} برفع الميم، وهذا على أن تكون {أن} مخففة من الثقيلة ويكون فيها ضمير الأمر والشأن التقدير آيتك أنه لا تكلم الناس، والقول بأن هذه الآية نسخها قول النبي عليه السلام: لا صمت يوماً إلى الليل قول ظاهر الفساد من جهات، وأمره تعالى بالذكر لربه كثيراً لأنه لم يحل بينه وبين ذكر الله، وهذا قاض بأنه لم تدركه آفة ولا علة في لسانه، وقال محمد بن كعب القرظي: لو كان الله رخص لأحد في ترك الذكر لرخص لزكرياء عليه السلام حيث قال: {آيتك أن لا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزاً}، لكنه قال له: {واذكر ربك كثيراً}، وقوله تعالى: {وسبح} معناه قل سبحان الله، وقال قوم معناه: صلّ والقول الأول أصوب لأنه يناسب الذكر ويستغرب مع امتناع الكلام مع الناس، و{العشي} في اللغة من زوال الشمس إلى مغيبها ومنه قول القاسم بن محمد: ما أدركت الناس إلا وهم يصلون الظهر بعشي، و{العشي} من حين يفيء الفيء، ومنه قول حميد بن ثور:
فلا الظل من برد الضحى تستطيعه ** ولا الفيء من برد العشيِّ تذوق

و{العشي} اسم مفرد عند بعضهم، وجمع عشية عند بعضهم كسفينة وسفين، و{الإبكار} مصدر أبكر الرجل إذا بادر أمره من لدن طلوع الشمس، وتتمادى البكرة شيئاً بعد طلوع الشمس يقال أبكر الرجل وبكر فمن الأول قول ابن أبي ربيعة: [الطويل]
أَمِنْ آلِ نُعْمى أَنْتَ غادٍ فَمُبْكِرُ

ومن الثاني قول جرير: [الطويل]
أَلاَ بَكَرَتْ سَلْمَى فَجَدَّ بُكُورُهَا ** وشقَّ العَصَا بَعْدَ اجتماعٍ أمِيرُها

وقال مجاهد في تفسير {الإبكار}: أول الفجر، والعشي ميل الشمس حتى تغيب.

.تفسير الآيات (42- 43):

{وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ (42) يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ (43)}
قال الطبري: العامل في {إذ} قوله: {سميع} فهو عطف على قوله: {إذ قالت امرأة عمران} [آل عمران: 35]، وقال كثير من النحاة: العامل في {إذ} في هذه الآية فعل مضمر تقديره {واذكر} وهذا هو الراجح لأن هذه الآيات كلها إنما هي إخبارات بغيب تدل على نبوة محمد عليه السلام، مقصد ذكرها هو الأظهر في حفظ رونق الكلام، وقرأ عبد الله بن عمر وابن مسعود، {وإذ قال الملائكة}، واختلف المفسرون هل المراد هنا بالملائكة جبريل وحده أو جمع من الملائكة؟ وقد تقدم القول على معنى مثلها في قوله تعالى: {فنادته الملائكة} [آل عمران: 39] و{اصطفاك} مأخوذ من صفا يصفو وزنه- افتعل- وبدلت التاء طاء التناسب الصاد، فالمعنى تخيرك لطاعته وقوله تعالى: {وطهرك} معناه من كل ما يصم النساء في خلق أو خلق أو دين قاله مجاهد وغيره، وقال الزجّاج، قد جاء في التفسير أن معناه طهرك من الحيض والنفاس.
قال الفقيه أبو محمد: وهذا يحتاج إلى سند قوي وما أحفظه.
وقوله تعالى: {واصطفاك على نساء العالمين} إن جعلنا {العالمين} عاماً فيمن تقدم وتأخر جعلنا الاصطفاء مخصوصاً في أمر عيسى عليه السلام وأنها اصطفيت لتلد من غير فحل، وإن جعلنا الاصطفاء عاماً جعلنا قوله تعالى: {العالمين} مخصوصاً في عالم ذلك الزمان، قاله ابن جريج وغيره، وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «خير نساء الجنة مريم بنت عمران، وخير نساء الجنة، خديجة بنت خويلد» وروي عنه أنه قال: «خير نسائها مريم بنت عمران، وخير نسائها خديجة بنت خويلد»، فذهب الطبري وغيره إلى أن الضمير في قوله- نسائها- يراد به الجنة، وذهب قوم إلى أنه يراد به الدنيا، أي كل امرأة في زمانها، وقال النبي عليه السلام «خير نساء ركبن الإبل، صالح نساء قريش، أحناه على ولد في صغره، وأرعاه إلى زوج في ذات يده»، وقال أبو هريرة راوي الحديث: ولم تركب مريم بنت عمران بعيراً قط، وهذا الزيادة فيها غيب، فلا يتأول أن أبا هريرة رضي الله عنه، قالها إلا عن سماع من النبي صلى الله عليه وسلم، وروى أنس بن مالك رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «خير نساء العالمين أربع، مريم بنت عمران، وآسية بنت مزاحم، امرأة فرعون، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد»، وقد أسند الطبري، أن النبي عليه السلام، قال لفاطمة بنته، «أنت سيدة نساء أهل الجنة، إلا مريم بنت عمران، البتول»، وأنه قال، «فضلت خديجة على نساء أمتي، كما فضلت مريم على نساء العالمين».
قال الفقيه الإمام أبو محمد: وإذا تأملت هذه الأحاديث وغيرها مما هو في معناها، وجدت مريم فيها متقدمة، فسائغ أن يتأول عموم الاصطفاء على {العالمين} عموماً أيضاً، وقد قال بعض الناس، إن مريم نبية، قال ابن إسحاق، كانت الملائكة تقبل على مريم فتقول، {يا مريم إن الله اصطفاك}، الآية، فيسمع ذلك زكريا فيقول، إن لمريم لشأناً، فمن مخاطبة الملائكة لها، جعلها هذا القائل نبية، وجمهور الناس على أنه لم تنبأ امرأة.
و{اقنتي} معناه اعبدي وأطيعي، قاله قتادة والحسن، وروى أبو سعيد الخدري، عن النبي عليه السلام قال، كل قنوت في القرآن فهو بمعنى طاعة الله، ويحتمل أن يكون معناه، أطيلي القيام في الصلاة، وهذا هو قول الجمهور، وهو المناسب في المعنى لقوله، {واسجدي واركعي} وبه قال مجاهد، وابن جريج، والربيع وروى مجاهد أنها لما خوطبت بهذا، قامت حتى ورمت قدماها، وروى الأوزاعي، أنها قامت حتى سال الدم والقيح من قدميها، وروي أن الطير كانت تنزل على رأسها، تظنها جماداً لسكونها في طول قيامها، وقال سعيد بن جبير، {اقنتي لربك}، معناه أخلصي لربك، واختلف المتأولون، ثم قدم السجود على الركوع؟ فقال قوم: كان ذلك في شرع زكرياء وغيره منهم وقال قوم: الواو لا تعطي رتبة، وإنما المعنى، افعلي هذا وهذا، وقد علم تقديم الركوع، وهذه الآية أكثر إشكالاً من قولنا، قام زيد وعمرو، لأن قيام زيد وعمرو ليس له رتبة معلومة، وهذه الآية قد علم أن السجود بعد الركوع، فكيف جاءت الواو بعكس ذلك، فالقول عندي في ذلك، أن مريم أمرت بفصلين ومعلمين من معالم الصلاة، وهما طول القيام والسجود، وخصا بالذكر لشرفهما في أركان الصلاة، وإذا العبد يقرب في وقت سجوده من الله تعالى: وهذان يختصان بصلاتها مفردة، وإلا فيمن يصلي وراء إمام، فليس يقال له أطل قيامك، ثم أمرت-بعد- بالصلاة في الجماعة، فقيل لها، {واركعي مع الراكعين} وقصد هنا معلم من معالم الصلاة، لئلا يتكرر لفظ، ولم يرد بالآية السجود والركوع، الذي هو منتظم في ركعة واحدة والله أعلم.

.تفسير الآيات (44- 45):

{ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ (44) إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (45)}
هذه المخاطبة لمحمد عليه السلام، والإشارة ب {ذلك} إلى ما تقدم ذكره من القصص، والأنباء الأخبار، و{الغيب} ما غاب عن مدارك الإنسان، و{نوحيه} معناه نلقيه في نفسك في خفاء، وحد الوحي إلقاء المعنى في النفس في خفاء، ثم تختلف أنواعه، فمنه بالملك، ومنه بالإلهام، ومنه بالإشارة، ومنه بالكتاب، كما قال كعب بن زهير: [الطويل]
أتَى الْعَجم والآفاق مِنْهُ قصائدٌ ** بَقينَ بقاءَ الوحْيَ في الْحَجَرِ الأصمْ

تقول العرب: أوحى، وتقول وحى، وفي هذه الآية بيان لنبوة محمد عليه السلام، إذ جاءهم بغيوب لا يعلمها إلا من شاهدها وهو لم يكن لديهم، أو من قرأها في كتب أهل الكتاب، ومحمد عليه السلام أمي من قوم أميين، أو من أعلمه الله بها وهو ذاك صلى الله عليه وسلم، ولديهم معناه عندهم ومعهم، وقد تقدم القول في الأقلام والكفل، وجمهور العلماء على أنه استهام لأخذها والمنافسة فيها، وقال ابن إسحاق: إنما كان استهامهم حين نالتهم المجاعة دفعاً منها لتحمل مؤونتها، و{يختصمون} معناه يتراجعون القول الجهير في أمرها، وفي هذه الآية استعمال القرعة والقرعة سنة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سافر أقرع بين نسائه، وقال عليه السلام: لو يعلمون ما في الصف الأول لاستهموا عليه، وجمهور الأمة على تجويز القرعة إلا من شذ فظنها قماراً، وهذا كله فيما يصلح التراضي بكونه دون قرعة فكأن القرعة محسنة لذلك الاختصاص، وأما حيث لا يجوز التراضي كعتق العبيد في ثلث ميت فجوزها الجمهور ومعنها أبو حنيفة، وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أقرع بين ستة أعبد، فأعتق اثنين وأرقَّ أربعة، وقوله: {أيهم يكفل مريم} ابتداء وخبر في موضع نصب بالفعل الذي تقديره، ينظرون، {أيهم يكفل مريم} والعامل في قوله: {إذ قالت الملائكة} فعل مضمر تقديره اذكر {إذ قالت الملائكة} وهكذا يطرد وصف الآية وتتوالى الإعلامات بهذه الغيوب، وقال الزجّاج، العامل فيها {يختصمون}، ويجوز أن يتعلق بقوله: {وما كنت لديهم إذ قالت الملائكة} وهذا كله يرده المعنى، لأن الاختصام لم يكن عند قول الملائكة، وقرأ ابن مسعود وعبد الله بن عمر: {إذ قال الملائكة} واختلف المتأولون هل الملائكة هنا عبارة عن جبريل وحده أو عن جماعة من الملائكة؟ وقد تقدم معنى ذلك كله في قوله آنفاً، {فنادته الملائكة} [آل عمران: 39] فتأمله، وتقدم ذكر القراءات في قوله: {يبشرك}.
واختلف المفسرون لم عبر عن عيسى عليه السلام {بكلمة}؟ فقال قتادة: جعله {كلمة} إذ هو موجود بكلمة وهي قوله تعالى: لمرادته- كن- وهذا كما تقول في شيء حادث هذا قدر الله أي هو عند قدر الله وكذلك تقول هذا أمر الله، وترجم الطبري فقال: وقال آخرون: بل الكلمة اسم لعيسى سماه الله بها كما سمى سائر خلقه بما شاء من الأسماء، فمقتضى هذه الترجمة أن الكلمة اسم مرتجل لعيسى ثم أدخل الطبري تحت الترجمة عن ابن عباس أنه قال: الكلمة هي عيسى، وقول ابن عباس يحتمل أن يفسر بما قال قتادة وبغير ذلك مما سنذكره الآن وليس فيه شيء مما ادعي الطبري رحمه الله، وقال قوم من أهل العلم: سماه الله {كلمة} من حيث كان تقدم ذكره في توراة موسى وغيرها من كتب الله وأنه سيكون، فهذه كلمة سبقت فيه من الله، فمعنى الآية، أنت يا مريم مبشرة بأنك المخصوصة بولادة الإنسان الذي قد تكلم الله بأمره وأخبر به في ماضي كتبه المنزلة على أنبيائه، و{اسمه} في هذا الموضع، معناه تسميته، وجاء الضمير مذكراً من أجل المعنى، إذ {الكلمة} عبارة عن ولد.
واختلف الناس في اشتقاق لفظة {المسيح} فقال قوم، هو من ساح يسيح في الأرض، إذا ذهب ومشى أقطارها فوزنه مفعل، وقال جمهور الناس: هو من- مسح- فوزنه- فعيل، واختلفوا- بعد- في صورة اشتقاقه من- مسح- فقال قوم من العلماء، سمي بذلك من مساحة الأرض لأنه مشاها فكأنه مسحها، وقال آخرون: سمي بذلك لأنه ما مسح بيده على ذي علة إلا برئ، فهو على هذين القولين- فعيل- بمعنى- فاعل- وقال ابن جبير: سمي بذلك لأنه مسح بالبركة، وقال آخرون: سمي بذلك لأنه مسح بدهن القدس فهو على هذين القولين- فعيل- بمعنى مفعول، وكذلك هو في قول من قال: مسحه الله، فطهره من الذنوب، قال إبراهيم النخعي: المسيح الصديق، وقال ابن جبير عن ابن عباس: {المسيح} الملك، وسمي بذلك لأنه ملك إحياء الموتى، وغير ذلك من الآيات، وهذا قول ضعيف لا يصح عن ابن عباس.
وقوله: {عيسى} يحتمل من الإعراب ثلاثة أوجه، البدل من {المسيح}، وعطف البيان، وأن يكون خبراً بعد خبر، ومنع بعض النحاة أن يكون خبراً بعد خبر وقال: كان يلزم أن تكون أسماؤه على المعنى أو أسماؤها على اللفظ للكلمة، ويتجه أن يكون {عيسى} خبر ابتداء مضمر، تقديره، هو عيسى ابن مريم، ويدعو إلى هذا كون قوله، {ابن مريم} صفة ل {عيسى} إذ قد أجمع الناس على كتبه دون ألف، وأما على البدل أو عطف البيان فلا يجوز أن يكون {ابن مريم} صفة ل {عيسى} لأن الاسم هنا لم يرد به الشخص، هذه النزعة لأبي علي، وفي صدر الكلام نظر، و{جيهاً}، نصب على الحال وهو من الوجه، أي له وجه ومنزلة عند الله والمعنى في الوجيه أنه حيثما أقبل بوجهه، عظم وروعي أمره، وتقول العرب: فلان له وجه في الناس وله وجاه، وهذا على قلب في اللفظة، يقولون جاهني يجوهني بكذا أي واجهني به، وجاه عيسى عليه السلام في الدنيا نبوته وذكره، ورفعه في الآخرة مكانته ونعيمه وشفاعته، {ومن المقربين}، معناه من الله تعالى.